السبت

علشان اللي راحوا مننا


"علشان اللي راحوا مننا"

حفلات فنية تقام لصالح ضحايا حريق بني سويف
يشارك بها مجموعة من الفنانين المتطوعيين

من 22 إلى 29 أكتوبر - جميع الحفلات تبدأ 9 مساءً علي مسرح التاون هاوس
شارع النبراوي متفرع من شارع شامبليون – القاهرة



السبت 22/10

أمسية شعرية لأمين حداد – فرقة تريب


الأحد 23/10

أحمد الصاوي (ذات) – فرقة بلاك تيما


الأثنين 24/10

وجيه عزيز


الثلاثاء 25/10

فرقة فلامنكا

غنائيات (أمسية شعرية) سيد حجاب و حمدي رؤوف


الأربعاء 26/10

فرقة الورشة – فرقة حبايبنا

الخميس 27/10

الشيخ زين (الورشة)


السبت 29/10

فرقة وسط البلد

عن المسرح المستقل


كنت قد كتبت مقالاً عن المسرح المستقل بعد إنتهاء مهرجان المسرح المستقل للكوميديا الخفيفة الذي اقيم الشهر الماضي بمركز الهناجر للفنون، و قبل أحداث بني سويف المؤسفة . و نظراً لأنني كتبت المقال لمجلة بص و طل الإلكترونيه فسأكتفي بوضع الرابط لها فقط .

يمكن الإطلاع علي المقال هنا

شكراً لعمر لإتاحته الفرصة لي للكتابه معهم .

الجمعة

مصر تأكل أولادها

لم أكن أعلم و انا أتجه إلي مسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسيين لتقديم واجب العزاء في زملائنا شهداء حريق مسرح بني سويف أنني سأجد نفسي بداخل مظاهرة صامته تهز المشاعر و تولد داخل النفس غضب و مرارة علي مدي تردي الحال في بلد أصبح كل شيئ فيه له قيمة إلا مواطنيه

كانت كارثة مسرح بني سويف التي بدأت بحريق صغير كان من الممكن تداركه لولا ضعف إجراءات الأمان و تحولت إلي محرقة بشرية قتل فيها نخبة من شباب المسرحيين و أبرز أساتذته و نقاده، ما تزال تحمل من علامات الإستفهام ما يجعلها مثيرة للعديد من التساؤلات حول مسئولية الجهات المعنية

و في الوقت الذي مازال العديد من المصابين يرقدون في عدة مستشفيات في حالات حرجة و نسب حروق تتراوح ما بين 40% إلي 80 % و في الوقت الذي يتزايد فيه عدد القتلي ما بين ساعة و أخري نتيجة لردائة الإسعافات التي تلقوها في مستشفي بني سويف و نقلهم إلي مدنهم فيما بعد بشكل غير متخصص أدي إلي وفاة البعض خلال النقل، قرر أهلي الشهداء و زملائهم رفضهم أخذ العزاء في قتلاهم قبل محاسبة جميع المسئوليين عما حدث، و في مشهد مهيب وقف المئات من الفنانين في مشهد جنائزي صامت في شكل إعتصام، أحتل الجهة المقابلة للمسجد المقام فيه العزاء و أفترشوا الأرض و ملأوا الرصيف المقابل، و رفعوا اللافتات المطالبة بمحاسبة المسئولين و معاقبة الجناة والمطالبة بحقوق زملائهم

شارك الفنانين في إعتصامهم الصامت حركة شباب من أجل التغيير ، وقد أصدر بيان عن جمعية دراسات و تدريب الفرق المسرحية الحرة و نخبة من نشطاء المسرح المصري يشرح حقيقة ما حدث نقلاً عن شهود العيان الناجيين من الكارثة و يتعهد بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق و متابعة حقوق زملائهم الراحلين و المصابين، كما تم توزيع البيان علي الحضور لجمع توقيعات المتضامنين و الراغبين في المشاركة، أصر المشاركون في الإعتصام علي البقاء حتي إنتهاء العزاء الرسمي للتأكيد علي مقاطعته و الإنفصال عنه، و بقوا حتي منتصف الليل
صدرت أنباء علي مسئولية لجنة تقصي الحقائق المشكلة من نشطاء المسرحيين و التي سميت بـ لجنة ( خمسة سبتمبر ) عن إعتزامهم إقامة مؤتمر صحفي بنقابة الصحفيين يوم الأربعاء الموافق 9/14 الساعة الثامنة مساءً يسبقه إعتصام صامت لمدة ساعة أمام مبني النقابة ، يتم فيه الكشف عن حقائق مذهلة حول حقيقة ما جري في حريق بني سويف بناءً علي شهادات حية

جانب من الإعتصام يظهر فيه الفنانين و هم يحملون اللافتات


و جانب أخر

من المسئول عن حرق أبنائنا


أحترق الأبناء و تركوا في العراء و ضرب الأمن الأمهات و الأبناء


مصر بتاكل ولادها الي طعمهم حلو

للإطلاع علي البيان

http://www.fiveseptember.blogspot.com

للمزيد عما حدث يوم العزاء يرجي الإطلاع علي

http://www.norayounis.com/2005/09/09/39

http://www.blogger.com/comment.g?blogID=10658978&postID=112618717051042299

الاثنين

رؤى

.

...وعرفت أن الشمس لم تعبر بقريتنا .. ولا مر القمر

بدروبها من ألف جيل

...ولا العيون تبسمت يوماً لمولود ولا دمعت لانسان يموت

...فالناس من هول الحياة

!موتى على قيد الحياة


نجيب سرور: لزوم ما يلزم

الأحد

ترللي

إذا لم تكن لي و الزمان شرم برم ... فكيف تكن لي و الزمان ترللي

نجيب الريحاني

الاثنين

الأم شجاعة علي مسرح الهناجر

مما لا شك فيه أن مسرحيات بريخت الشاعر والفنان الذي خالط الصعاليك والفنانين المتجولين والعمال العاطلين، وارتاد الحانات والحواري والأزقة الضيقة قد عبرت عن واقع الفرد واغترابه في مجتمع لا يحقق له إمكانات الحياة الضرورية، ويدفع به نحو مناطق التوتر والضياع، وهو الشكل السائد للكتاب المعاصرين للحرب العالمية الأولي من أمثال كافكا ودوبلن وفيرفل وغيرهم· و قد انطلق بريخت ليؤسس منهجه الملحمي في المسرح الذي هدف من ورائه إلي كسر اندماج الممثل في الشخصية المسرحية التي يقوم بها، وتحرير المتفرج من الإيهام المسرحي، فعوضاً عن هذا الاندماج ،يصبح الهدف هو اتخاذ موقفاً فكرياً تأملياً، مما يجعل من المسرح البريختي مسرحاً تثقيفياً ذو طبيعة تحريضية إيديولوجية وبذلك يصبح أهم انقلاب في جماليات العرض المسرحي في القرن العشرين

ومع بداية الخمسينيات انتقل مسرح بريخت إلي الخشبة العربية في مصر ولبنان وتونس والمغرب والعراق وغيرها لتتجلي تأثيرات هذا المسرح (البريختي) في كافة عناصر المسرح من كتابة وإخراج وتقنيات جمالية، فقد عرض له مسرحيته "القاعدة والاستثناء" سنة 1963 في مسرح الجيب، و مسرحية "الإنسان الطيب" سنة 1966، ثم"دائرة الطباشير القوقازية" سنة 1968 ، كما تم تقديم مسرحية "الأم شجاعة" التي أخرجتها ليلى ابو سيف في أوائل السبعينات

وربما رأى مخرج الأم شجاعة عند اختياره لهذا النص أن هناك حاجة حالية إلي مثل هذا النوع من النصوص التأملية في ظل الظروف الراهنة، حيث أصبح المجتمع ككل في مرحلة من مراحل التغير التاريخي والصراعات الأيديولوجية، ومن هنا كان اللجوء إلي هذا النص الذي تتوافق أحداثه مع الكثير من الأحداث الجارية و يطرح العديد من التساؤلات التي تنعكس علي حالنا اليوم، فمسرحية "الأم شجاعة" التي تعرض لفترة من فترات الحرب في القرن السادس عشر بين الطوائف المسيحية الكاثوليك والبروتستانتية، و التي استمرت ما يقرب من ثلاثين عاماً، تستند في ظاهرها علي خلفية تاريخية، بينما إننا نستطيع إيجاد العديد من نقاط التلاقي بين ما يحدث علي الخشبة و بين الأوضاع الحالية، أن العرض يتصدي لعدة أفكار تتعلق بالإنسانية بشكل عام: من المستفيد من تصاعد الحروب؟ من هم تجار الدمار؟ هل يسعي الإنسان إلي استمرار الحروب والخراب لتحقيق مصالح شخصية قريبة قد تكلفه سعادته الحقيقية؟ هل من المعقول أن يحتفظ الإنسان ببراءة فطرته في ظل تسيد قيم وقوانين الحرب الوحشية؟

إن شخصية "الأم شجاعة" التي تؤدي دورها الفنانة دلال عبد العزيز، هي شخصية بائعة متجولة لديها ولدين وبنت خرساء، تتكسب قوتها من تجارة البضائع التي يتعذر شرائها في زمن الحرب، مستعينة علي ذلك بعربة صغيرة تدفعها أمامها حاملة فيها بضاعتها، ورغم يقينها بمدي كذب دعاة الحروب ومدي الخسارة التي تحل بكل من يتبعهم إلا أننا نراها تتحول شيئاً فشيئاً إلي أحد المستفيدين منها، ففي زمن الدمار يصبح بمقدرة تجار الحروب التربح من الخراب الذي يحيط بكل شيء حتى يتحولوا هم أنفسهم إلي دعاة حروب. وخلال ترحال الأم من بلدة إلي أخري، تفقد تدريجياً كل معني لكفاحها من أجل أبنائها، فها هي تفقدهم الواحد تلو الأخر بينما تتواري القيم الإنسانية أمام طغيان المادة وسطوتها، ففي أحد أكثر المشاهد قسوة وتصاعداً درامياً نجد الأم وهي تساوم علي حياة أحد أبنائها بالعربة التي تتكسب منها، فتعجز عن الحسم لعلمها أنها بفقدها لعربتها فإنها تفقد المصدر الوحيد الذي تتقوت منه، ونتيجة لتباطئها في هذه المساومة اللعينة، فإنها تفقد أبنها الذي يتم إعدامه. إنها المشاعر الإنسانية الفطرية في مواجهة قيم المادة ووحشيتها


ولقد ساعدت السينوغرافيا بشكل إيجابي علي زيادة الإحساس بمدي التشتت والمعاناة التي يعيش فيها الإنسان في ظل الحروب، فجانبي المسرح مغطيان بالكامل بمجموعة من الأقمشة أو هي أقرب ما يكون إلي الخرق البالية وقد تجمعت بجانب بعضها فأعطت مساحات من الألوان والأشكال التي تشبه أعلام الدول أو هي كخرائط الجغرافيا والتقسيمات الحدودية مما حول المساحة المسرحية إلي ما يشبه أرض المعركة. وقد استخدمت عناصر مرئية مثل السلالم التي اتخذت اتجاهات مختلفة صعوداً ونزولاً بما تحمله من دلالات مكانية، أيضاً استخدام الأسلحة المختلفة، حيث امتلأت الخشبة بالعديد من الأسلحة المختفية التي تنوعت ما بين البنادق والرماح والخناجر، وأقول المختفية لأنها لم توضع بشكل معلن صريح وإنما أستترت داخل أجزاء الديكور المختلفة، فإذا بسلاح البندقية ُيكوّن أحد أعمدة البوابة الكبيرة التي تتوسط الخشبة، وإذا بالرماح تتدلي من الشواية وكأنها تستعد للانطلاق ناحية شخوص العرض الواقفين تحتها، أنها حالة من التوتر المستمر، فالخطر يحيط بالجميع دائماً والإحساس بعدم الاستقرار يصاحب الأحداث، وقد كان لاستخدام العمق الكامل للخشبة في مسرح الهناجر والتي يزيد كثيراً عن الأعماق المتبعة في المسرح المشابهة، دوراً لا بأس به في الإضافة إلي حالة الفوضى والخراب، فقد بدا المسرح وكأنه ساحة خردة كبيرة، وإن كنت أعتقد انه لم يتم توظيف ذلك بشكل كافي في دراما العرض إلا في عدد قليل من المشاهد التي كانت أحداثها تدور في عمق المسرح، ولكن لم ُيوجد المخرج ضرورة حقيقية لاستخدام هذا العمق المسرحي، يضاف إلي ذلك أن المستوي المرتفع من البوابة التي تتوسط المسرح لم يتم استخدامها إلي في أحد المشاهد الأخيرة مما يطرح تساؤلاً حول أهميته الدلالية طوال العرض

أحد أهم المشاهد الناجحة سينوغرافياً هو المشهد الأخير حيث رأينا الأم شجاعة بعد أن فقدت كل شيء ذو قيمة بالنسبة لها في الحياة، ولم بقي لها غير عربتها التي دفعتها أمامها خارجة من العمق المسرحي في إتجاه الجمهور، وقد وقفت جميع نماذج وشخوص العرض متربصة بها أو متفرجة عليها وكأنهم تحولوا إلي أصنام لا تكترث بعذاب البشر أو هم ضباع تنتظر سقوط ضحية جديدة. أنه صورة كاملة لهذا العالم البشع الذي أنتجته الحروب، عامل يمتلئ بالسفاحين والمرتشيين وبائعات الهوى والمغتصبين يقف في مقابله على الجانب الأخر المشردين والجائعين، وعلي الأم شجاعة أن تدفع عربتها أمامها إلي الأبد، فإما أن تكون مع القتلة أو أن تكون مع المقتولين

الأداء التمثيلي بشكل عام كان جيدا وإن لم يتميز أحد بالقدر الكافي، فمعظم الشخصيات جاءت شبه باهتة وغير مؤثرة حتى أنني أعتقد أن الدور الرئيسي في العرض كان يحتاج إلي مزيد من الثقل والحضور المسرحي بما يتناسب مع قوة الشخصية الدرامية وهو مع الأسف ما لم يتوفر في العرض. أما مناطق الأداء الحركي الراقص فقد كانت من القوة والتكثيف بحيث ظهرت بجانبها الحوارات المسرحية علي درجة من الترهل والضعف

ولكن يبقي السؤال الأساسي الذي يفرضه التناول الذي قدمه العرض: ما هو المسرح البريختي وما هي مقوماته وأهدافه؟ فالمخرج الواعي حين يقوم باختيار أحد نصوص بريخت يجب عليه أن يدرك طبيعته ويضع الشكل المناسب لتقديمه. أن صدمة التغريب هي أهم مقومات المسرح البريختي، ويقول الناقد إبراهيم فتحي: إن المسرح البريختي قد شكل وعياً بأن الهدف المسرحي هو التفكير والتغيير من خلال المنهج الملحمي الذي استخدمه بريخت، فالفن لا يكفي فيه المحاكاة بل لابد من الإضافة، والفنان البريختي هو الذي يحرر الجمهور من التقمص

إن العرض كما قدم هو عكس هذه الفكرة تماماً، فالتمثيل المغرق في الإيهام والتناول الذي يدعو إلي التوحد مع الشخصيات في معاناتها، هو عكس ما يدعو إليه منهج بريخت في التمثيل وباستثناء بعض الإيفيهات التي كان يلقيها رجل الدين البروتستانتي، في إسقاط صريح علي الواقع، والتي كانت تكسر من الإحساس بالهالة المقدسة لرجال الدين والمتوقعة لدي المتلقي، فأن العرض لم يخرج من دائرة العروض الكلاسيكية


ومن هنا يبرز التساؤل عن أسباب اختيار نص لبريخيت إذا كان التناول سيتم بهذا الشكل، وهو ما لم أستطع الإجابة عنه بشكل مقنع، ولكن تبقي حقيقة أن مسرح بريخيت له سحره الخاص الذي يلقيه علي مشاهده، فلا يملك تجاهه إلا الانصياع لضرورة التفكير في التساؤلات التي يطرحها النص. ولذلك فإن تيار بريخت يظل هادراً وقوياً لأنه استلهام لاحتياجات عميقة في التحول الموضوعي للإنسان، نحو تجاوز عالم الفوضى والوحشية إلي عالم أفضل وأرقى

الجمعة

باب الشمس .. حلم الوطن الذي تخلى عنه الجميع

.


باب الشمس .. وحلم الوطن الذي تخلى عنه الجميع



كنت اتمني قراءة الرواية الأصلية المأخوذ عنها فيلم "باب الشمس" للمخرج يسري نصرالله قبل ان أبدأ في الكتابة عنه، وهي الرواية التي تحمل نفس الاسم (باب الشمس- إلياس خوري- دار الآداب، بيروت-الطبعة الأولى 1998). وأنا وإن كنت أعتقد أن من حق الفيلم أن يقدم وجهة نظره الخاصة التي قد تختلف عن العمل الأصلي إلا أنه يبقى دائما من المفيد الإطلاع عليه، على الأقل لمحاولة الإلمام بدفقته الشعورية التي أثرت في طاقم العمل ليقرروا تحويله إلي فيلم سينمائي

والفيلم الذي تمتد مدة عرضه حوالي 5 ساعات مقسم إلي جزئين: الرحيل و العودة. وبداية من التيترات الأولى التي يأخذنا فيها الفيلم إلي داخل عالمه الحزين، نستطيع أن نشعر أن لغة الرموز هي المسيطرة على الفيلم، فنرى لقطات مقربة على أيدي تتناول ثمر البرتقال، تقشره ثم تلتهمه بشغف، فهذا الغصن من البرتقال هو كل ما استطاعوا اصطحابه معهم من أرض فلسطين، وفي مقابلة شديدة الرهافة نشعر وكأن هذا الثمر الذي يتناولونه هو رمز للأرض الذي بذلت وما زالت تبذل من اجلهم، تماما كتناول الخبز إقامةً لذكرى المسيح الذي بذل نفسه من أجل خلاص العالم. [1


والبناء الدرامي للفيلم يقوم على سلسلة من الحكايات المتشابكة والمتداخلة يربط بينها شخصية يونس الأسدي، الفدائي الفلسطيني الذي ينام في غيبوبة بينما يمرضه الدكتور خليل الفدائي السابق في محاولة يائسة لإنقاذه من الموت شبه المحقق منذ البداية. وخليل الذي يرفض الاستسلام لفكرة موت يونس والده بالتبني ( فيونس بتاريخه النضالي يمثل الرمز الأبدي للصمود ضد الوجود الصهيوني) يقوم بملازمته طوال الوقت وخلال ذلك يحكي له ولنا عن حكاياتهم: حكايات يونس وحبيبته نهيلة، وأمه وأبيه وعن خليل وحبيبته شمس، وجدته وأمه، عن أم حسن ودنيا وعدنان أبو عوده. عشرات الحكايات التي تتراص وتنساب في إثر بعضها البعض، تتداخل مكونة نسيجاً متشابكاً نتبين من خلاله الحكاية الأكبر والأكثر شجناً...حكاية فلسطين: الوطن الذي ُسلب، والشعب الذي شُرد

وحكايات العشق في الفيلم لا تنتهي، فحينما نتحدث عن حب الوطن والتراب والأرض لا يمكننا إغفال الحبيبة والابن والأم و غيرها من علاقات الحب المختلفة

نقل فؤادك حيث شئتَ من الهوى.. ما الحبُ إلا للحبيبِ الأولِ

كم من منزل ِ في الأرض ِ يعشقه الفتى..وحنينه دوماً لأول منزل [2

هكذا يردد الجد العجوز أبو يونس هذه الأبيات حين الخروج الكبير من فلسطين، فتحفظ نهيلة الأبيات لتظل تذكرنا بها علي مدار الجزئين

ومن بين كل الحكايات اعتقد أن هناك حكايتان أساسيتان تتخذان موقع الصدارة، وهما قصتي الحب بين يونس ونهيلة، وبين خليل وشمس. ونستطيع أن نستشعر أن علاقة يونس ونهيلة هي أقرب ما يكون للحكايات الملحمية، علاقة حب وصمود شديدة السحر و التركيب، لم تبدأ إلا بعد أعوام من زواجهم عندما فرق بينهم الخروج الكبير عام 48 فبقيت نهيلة مع أهل يونس في فلسطين بينما اضطر يونس للهرب إلي لبنان. فهو حب وُلد مع معاناة الفراق، ومن هنا كانت علاقة الحب الرمز، فنهيلة المحبوبة أصبحت بشكل ما هي الأرض والوطن والدافع من أجل النضال والصمود، وأصبحت رحلات يونس المتسللة عبر الحدود إلى باب الشمس، المغارة التي جعلت منها نهيلة مكان لقائهم الخاص، هي شكل من أشكال هذا الصمود ونوع من التواصل مع الوطن الذي فُقد. ففلسطين أو نهيلة هي الحبيبة التي تنتظر عاشقها لتستمد منه قوتها وتنبت له أطفالا من صموده وصلابتها

وهكذا فإن الجزء الأول ملئ بالشاعرية وحالة من السحر التي تقترب من الحكايات التي اعتدنا سماعها في طفولتنا، فرغم مرارة الطرد والتشرد عن الوطن ورغم قسوة وعنف الغاصب الصهيوني—التي شعرنا بها وكأنها يد القدر تترصد بهؤلاء المطرودين من قراهم وبيوتهم، حيث تطاردهم مكبرات الصوت غير معلومة المصدر وكأنها أصوات سماوية أو كأنها ضربات القدر ما أن نسمعها حتى نتيقن من الهلاك الذي سيحل بهم، فلا منقذ و لا مفر—إلا أن هذه القسوة بقيت داخل حالة شاعرية أشبه بالحلم أو الكابوس، فكما في الحكايات نحن على يقين من أنه مهما طال سلطان الشر لابد له من الزوال ولذلك فقد انتهي الجزء الأول ونحن نشعر بهذه الحالة من الأمل التي تحيط بأبطال الفيلم، حيث ينتهي بفرح داخل القرية التي يعرف أهلها أن يونس الفدائي زوج نهيلة هو والد أطفالها وأنها ليست عاهرة كما ادعت علي نفسها بجرأة أمام لجنة التحقيق، فالحبيب لم ينس محبوبته والنبتة لم تزل أصيلة وإذا كانوا قد اغتصبوا منهم أرضهم فإنهم بالتأكيد لم يغتصبوا منهم إرادتهم على النضال والصمود والدفاع عن الكرامة

أما الجزء الثاني فعلى النقيض، يصدمنا بواقعية مفجعة، نترك معها حكايات التاريخ وننتقل إلي الحاضر والماضي القريب، حيث العشرات من تفاصيل الحياة اليومية المؤلمة، تتصاعد لتكون لدينا شبه تصور عن أسباب ضياع القضية إلي اليوم. ولذلك فقصة الحب التي يطرحها من نوع مختلف، فمن الحالة الحالمة السحرية بين يونس ونهيلة إلى الواقعية الصادمة بين خليل وشمس، وشتان بين الحالتين. إن شمس هي المرادف لنهيلة في الجزء الأول ولكنها نموذج تم تشويهه، أساء إليها من حولها ونبذها الجميع...حتى حبيبها خليل، فضّل أن يبقي علي علاقة جسدية معها دون أن يرغب في الزواج منها. فشمس الفتاه الفلسطينية شديدة الولع بالحياة، شديدة الإيمان بالنضال عانت في البداية على يد زوجها بينما وقف الكل صامتون، ونبذها الجميع حينما تناقلتها الأيدي في محاولة منها للخلاص وفي النهاية قتلوها بلا رحمة عندما قررت الانتقام ممن خانوها

إن الفرق بين قصتي الحب في الفيلمين هو الفرق بين بداية الحكاية ونهايتها، فالبداية امتلئت بالأمل والرغبة في الصمود رغم القهر بينما أتت النهاية مليئة بالإحباط والهزيمة والخيانة، والطريق بين النقطتين طويل ومخجل: لقد تخلي الجميع عن القضية كما تخلوا عن شمس وتركوها نهباً للجبناء. وكم هو قاسٍ ذلك المشهد الذي يعترف فيه خليل بأن الجميع قد انكر الفدائي عدنان عندما أطلقوا سراحه من المعتقل، فخرج من هناك حطام إنسان، سُلب عقله وآدميته فلم يبق من الفدائي القديم إلا حطام رجل يفصح عن ضراوة التعذيب الذي لاقاه طوال سنين الإعتقال. وبدلاً من أن يحتفي به الجميع أصبح يسير في طرقات المخيم كالمجاذيب هاربا من حجارة الأطفال العابثة. لقد حكى خليل أن يونس كان قد أعلنه شهيداً وقتله، ليبقي على ما تبقى له من احترام هو جدير به، ولكنه عاد فقال أنهم تمنوا لو انهم فعلوا ذلك، فالحقيقة هي أنهم تركوه ليموت بينهم إهمالاً

تلك هي القضية التي يفجرها الفيلم، كيف ضاعت مننا فلسطين، هل نلقي اللوم علي الصهاينة وحدهم أم أننا جميعاً قد لعبنا دوراً في ذلك؟ هل كما قال خليل: "أن كل العرب يعشقون القضية الفلسطينية ويكرهون الفلسطينيين"؟ فالجزء الأول الذي أرضى ضمائرنا، فخرجنا منه مطمئنين أن فلسطين بخير وأن كل شيء سيكون على ما يرام ما دام بقى فينا من يقدر على الصمود لم يكن إلا نوع من السخرية اللاذعة التي تملؤها المرارة، فالجيل التالي الذي يمثله خليل الذي آمن بالنضال من أجل التحرير قد جُرد من قيمه شيئا فشيئاً وتُرك ليقاتل وحيداً حتى الموت أو حتى يدرك عقم هذا الإيمان. فما أن نكمل مشاهدة الجزء الثاني حتي تنتابنا حالة من الوجوم، فكل ما كان رمزاً للصمود والنضال قد مات أو قُتل أو شُوه أو جُرد من إنسانيته. أما مغارة باب الشمس، المكان الأخير الذي بقى فلسطينياً داخل فلسطين قد غُلّق في انتظارعودة يونس الذي مات. فهل يستطيع خليل وجيله بما يمثله من القيم والمبادئ التي جُردت من معناها أن يحل محل يونس؟

إن الكادر الأخير يخبرنا عن وجهة نظر الفيلم شديدة السواد، فالفيلم ينتهي بنا في داخل المغارة، وبينما النور المتسلل من الخارج يتقلص رويداً رويداً، تعلو الحجارة تدريجياً لتسد المدخل وتغلق على من وما فيها، وعندما نقبع في ذلك الظلام الدامس يحاصرنا بلا شك سؤال لا مفر منه: هل رضينا حقاً أن نقبع في ظلامنا هذا ونستكين إلي ما آل إليه الحال؟ وهل ستري مغارة باب الشمس النهار مرة أخرى أم أنها غُلقت علي كل ما تمثله فينا إلي الأبد؟





[1] *هذا جسدي الذي يبذل لأجلكم، هذا أفعلوه لذكري (لوقا – 14:22 – 23

*أنا هو خبز الحياة. فالذي ُيقبل إلي لا يجوع، و الذي ُيؤمن بى لا يعطش أبداً.(يوحنا 26:6 – 65

[2] من شعر أبو تمام